يتم إنشاء هذا الموقع باستخدام بيانات ويكيمابيا. ويكيمابيا هي مفتوحة المحتوى لمشروع الخريطة التعاونية أسهمت من قبل متطوعين في جميع أنحاء العالم. أنه يحتوي على معلومات حول 32523415 الأماكن والإحصاء.
معرفة المزيد عن ويكيمابيا وإرشادات المدينة.
مسجد الحلة الكبير,
سجاد (زائر)
كتب
سنة مضت:4سنوات مضت::
تعينت لا
مرقد ابن عرندس,
ZAER
كتب
سنة مضت:6سنوات مضت::
اسمه ولقبه:
هو الشيخ صالح بن عبد الوهاب بن العرندس الحلي الشهير بابن العرندس "احد اعلام الشيعة، ومن مؤلفي علمائها في الفقه والاصول"([1]) توفي حدود 840 بالحلة الفيحاء، ودفن فيها، وله قبر يزار.([2])
عقيدته:
نشا ابن العرندس في الحلة وهي يومئذ (القرن التاسع الهجري) تضم مدرسة علمية راسخة مضى على نشوئها اكثر من قرنين، وحفل تاريخها بعلماء اعلام اشتهر ذكرهم في علماء الامامية، في مختلف البقاع التي التي كانت علامات مضيئة في تاريخ الحوزات العلمية الامامية وكانت صلة الحلة وشيجة العرى مع مدن الامامية آنذاك كالنجف وكربلاء وجبل عامل وقم، فلا غرو ان يكون شعره العقيدي موسوما بوسام المدرسة الامامية، وعواطفها المشدودة، على طول الحقب الى سيد الشهداء الحسين بن علي عليه السلام ومصيبته.
شعره:
سمات العصر:
بعد سقوط بغداد بيد المغول (سنة656ه) وما حدث خلال ذلك من احداث، بدات الثقافة الادبية العربية بالانحلال والتراجع، شأنها في ذلك شان العرب الذين اضحت دولتهم الاسلامية المترامية الاطراف تحت سلطة اقوام جدد نشروا حكمهم بحد السيف وسلطان القوة.
واستمرت هذه المرحلة قرونا عديدة تمتد حتى بدايات النهضة الادبية التي ظهرت بوادرها في العراق وبلاد الشام ومصر([3])، وابرز سمات الادب – واول فنونه الشعر- في تلك الحقبة الجنوح نحو المحسنات اللفظية والبديعية التي حفل بها الشعر، وشعر ابن العرندس مثل ذلك أصدق تمثيل.
وكانت سمتا التقليد والعقم من أبرز سمات الشعر في الحقبة الممتدة من سقوط بغداد حتى بدايات النهضة الجديدة في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، فقد ظل الشعر يدور في معان مالوفة يكررها الشعراء ويجهدون في محاولة الوصول فيها الى الاصل الذي يقلدونه، ولم يستطع الشعراء الفكاك من اسر التقليد والثقافة المسيطرة على عقولهم.
لقد ظل الشعر في اطاره التقليدي من حيث اغراضه، فالمدح والرثاء يشغل الحيز الاكبر من اغراضه، وصار شعراء المناسبات رائجا، وهو لا يخرج في غرضه عن غرضي المدح والرثاء.
اما المحسنات الشكلية التي شاعت في هذه الحقبة فقد انتجت فنونا تُعنى بالجانب الشكلي للقصيدة دون معانيها، فشاع في هذه الحقبة، التخميس والتشطير، والقصيدة المشجرة والالغاز وامثال ذلك من الامور التي تصرف جهد الشاعر في امور لا تطور الفن الشعري، ولا تسهم في انتشاله من وهاد التخلف والتقليد.
والتخميس والتشطير لا يخلو من ان يكون اجترارا للمعاني التي تدور حولها القصيدة المخمسة او المشطرة، وتمطيطا لها مما يجعل شطري البيت يتحولان الى خمسة او اربعة اشطر.
ومثل هذا ينطبق على شعر ابن العرندس الذي ظلت معانيه تدور في تقليدية مكررة وروايات موروثة، ولكن ذلك لا يعني انه لم يقدم لنا في شعره في الامام الحسين عليه السلام فنا تظهر فيها ابداع في الصورة الشعرية وفي زاوية تناول الحدث الذي ظل تناوله في القصيدة الشيعية تقليديا رتيبا. وسيعرض البحث لطريقة تناوله هذه.
شعره في الدفاع عن العقيدة:
ذكرنا ان ابن العرندس كان إمامي المذهب ومن المؤلفين في الفقه والاصول، ومن الطبيعي ان يكون شعره في الدفاع عن عقيدته، ولا سيما اهم الاحداث التي تمثل معلما بارزا في هذه العقيدة وأفكارها.
ويمكن القول ان أغلب شعراء الشيعة الامامية، نظموا في امرين مهمين كانا السمة الرئيسة لشعر اهل البيت عليهم السلام وهما:
ولاية أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام
مأساة الحسين عليه السلام وما رافقها من أحداث هزّت الضمير الإنساني وأثارت الشجون والحزن في النفوس، ولابد من ان تكون نفوس الشعراء اول المتأثرين بهذا الحدث.
وفي الأمر الأول (ولاية أمير المؤمنين عليه السلام) فان الطابع الغالب على معالجة شعراء الإمامية لهذه القضية ترتكز على أمور:
الاول: الروايات التي تواترت عن النبي صلى الله عليه واله والائمة المعصومين، وطرق اثباتها، مما يدخل تحت عنوان علم الكلام بطريقته التقليدية، وفي ضوء منهج اهل البيت عليهم السلام.
الثاني: اظهار كرامات الامام امير المؤمنين عليه السلام وبيان أفضليته وهو يدخل في جانب كبير منه تحت باب الاعتماد على الروايات التي نقلت.
الثالث: المحاكمة العقلية التي يعتمد عليها الشاعر في دحض حجج الخصوم، وقد حفل الادب الاسلامي منذ عصر صدر الاسلام بنماذج من الشعر يعبر كل منها عن وجهة نظر قائله في هذا الامر، حين نشا ما يعرف بالشعر السياسي، فكان للامويين شعراؤهم وللخوارج شعراؤهم، ولأهل البيت عليهم السلام شعراؤهم. وقد اعتمد هؤلاء الشعراء على المحاكمة العقلية في اثبات دعاواهم([4])
ولا شك في ان المحاكمات العقلية تبتعد في طبيعتها عن روح الشعر، الذي من اولى صفاته مناجاة العاطفة الانسانية وترجمة انفعالات النفس، في التعبير عن تجربة شعورية يبحر بها الشاعر.
ومن هنا يبدو تميّز بعض الشعراء في معالجة مثل هذه القضايا، فكلما كان الشاعر متمكنا من صنعته "والشعر صناعة وضرب من النسج وجنس من التصوير"([5]) كان اكثر قدرة على التاثير وكان لشعره قدرة اكثر على البقاء والخلود، لان الطبيعة الانسانية، والعواطف الانسانية، باقية ما بقي الانسان وهي –دائما- شغل شاغل لبني البشر.
اما الموضوع الثاني الذي شغل شعراء أهل البيت عليهم السلام فهو قضية استشهاد الامام الحسين عليه السلام في عاشوراء وجميع أولاده وأصحابه... وهي القضية التي بقيت شعلة حيّة في ضمير المسلمين، لا تطمسها الأيّام ولا تمحو ذكرها السنون.
ولقضية الامام الحسين عليه السلام جانبان بارزان:
جانب عقيدي يتمثل في ان المعركة التي وقعت في سنة 61ه هي معركة صراع بين منهجين:
الاول ينطلق من مفهوم اسلامي محمدي أصيل يمثله الامام الحسين عليه السلام وقد جاء الاسلام بخطاب موحِّد للعرب، فحارب دعوى الجاهلية وأمات الروح القبلية الي تنزع للقبيلة وكان بيانه الجديد متمثلا بقوله تعالى" يا أيها الناس إنا خلقتاكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير " (الحجرات /13).
وقد خاطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحد اصحابه وقد عير احدهم بقوله "انك امرؤ فيك جاهلية"([6]) وهي حال العرب قبل الاسلام من الجهل بالشرائع، والمفاخرة بالانساب، والكبر، ولعل موقف الاسلام في صدره أشد ظهوراً في وضع مسميات جديدة للعرب المسلمين بعيدا عن الروح القبلية وعصبيتها مثل: جماعة الانصار وجماعة المهاجرين، وأصحاب بدر وغيرها من المسميات التي وان لم تلغ عصبية النسب تماما الا انها حولتها وجهة دينية([7])
والثاني منهج مرتد على الاسلام، يقوم على محو كل ما هو أصيل في الفكر الاسلامي وإحياء سنن الجاهلية بكل اشكالها، وإشاعة التخلف الفكري في إلهاء الناس بأمور جانبية من قبيل شعر الهجاء وأدب النقائض الذي وجد سوقا رائجة في ظل حكم بني امية([8]) فقد اتخذ الامر وجهة جديدة حين جاء الامويون للحكم، اذ اعتمدوا على القوة العسكرية القبلية عتمادا كاملا، واوقعوا الخلاف الشديد بين العرب المضرية والعرب الكلبية([9])
بل ان قيام الدولة الاموية تمّ على أساس قبلي، وقد اشتركت قبائل الشام في فتوح الشام ومصر وفارس، ولا بد من ان معظمهم كان يحمل ولاءه القبلي جنبا الى جنب مع ولائه الديني، ولا سيما ان الدولة في منهجها تحبذ ذلك، فكانت هناك قبائل من قحطان احدى شعبتي العرب مثل جذام وكلب ولخم وغسان وطي وتغلب... وكانت هناك قبائل مضرية واخرى من ربيعة من قبائل قيس من مضر العدنانية وثقيف وباهلة وجشم وغيرها([10]) ولما كانت معظم قبائل مضر في الشام من قيس عيلان بن مضر فسموا قيسية اما اليمنيون فكانت غالبية قبائلهم تسمى الكلبية نسبة الى كلب بن وبرة الذي ينتمي الى قبيلة قضاعة([11])، ويعرف القيسيون او المضريون ب(عرب الشمال) في حين يعرف الكلبيون او اليمنيون ب (عرب الجنوب) وحتى قيام الدولة الاموية لم يكن العرب يعرفون هذه التسميات القبلية([12])
ويجدر القول هنا: ان العصبية القبلية التي أحياها الامويون وجعلوها قاعدة لسلطانهم، قد نمت عندهم منذ ان تولوا أعمال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتقدموا على من سواهم من العرب، بل وحتى على بني هاشم، فقد تولى الحكم بن سعيد بن العاص بن امية على السوق، وتولى عمر بن سعيد بن العاص بن امية على خيبر ووادي القرى وتيماء وتبوك، وتولى خالد بن سعيد بن العاص بن امية على صنعاء، وتولى ابو سفيان على نجران، وابان بن سعيد بن العاص بن امية على البحرين، وعمرو بن العاص بن امين على عمان([13]) ويعلق المقريزي على ذلك فيقول: ان هذا وشبهه "هو الذي حد انياب بني أمية وفتح ابوابهم، واترع كاسهم، وفتل أمرهم حتى لقد وقف أبو سفيان بن حرب على قبر حمزة رضي الله عنه فقال: رحمك الله أبا عمارة لقد قاتلتنا على امر صار الينا"([14]) وكان ذلك ايام عثمان بن عفان، اذا ان ابا سفيان توفي في خلافته سنة احدى وثلاثين([15])
ان الامويين لم يكتفوا بذلك، بل عزّزوا سلطانهم وقوّوا شوكتهم باسلوب المصاهرة الى القبائل التي تناصرهم لكي تقوى عرى العلاقة معهم، وكان عثمان بن عفان قد أصهر الى بني كلب اليمنيين، فاقتدى به معاوية وتزوج ميسون بنت بجدل الكلبية وهي ام ولده يزيد (قاتل الحسين) عليه السلام وسرعان ما ظفر بنصرة قبائل كلب اليمانية([16]) فزوجة عثمان نائلة بنت القرافصة الكلبية وزوجة معاوية ميسون بنت بجدل، وتزوج مروان بن الحكم من ليلى زبانة بن الاصبغ الكلبية وهي ابنة عم نائلة، ولما كان الصهر عند العرب كالنسب فان معاوية أفلح في استغلال مصاهرته بقبيلة كلب اليمانية، حتى انه ضمَّ تحت لوائه جميع القبائل اليمانية الشامية[17] وتمضي سنة معاوية مع هذا الجناح او ذاك من قبائل العرب حتى اصبحت العصبية القبلية مفتاحا نصل به الى معرفة كثير من اسباب الحوادث التاريخية الكبرى في العصر الاموي، وفهم كثير من الشعر والادب ولا سيما الفخر والهجاء([18]) والجانب الاخر في قضية الامام الحسين عليه السلام، الجانب العاطفي متمثلا في مخاطبة العاطفة واثارة الاحاسيس الانسانية التي تستبشع ما وقع في هذه المعركة من تجاوز على القيم الانسانية والاجتماعية والخلقية، قلّ نظيره في تاريخ الاسلام، وان لم يكن معدوما.
وفي هذا الجانب يتسع المجال امام الشاعر – لا سيما اذا كان مبدعا ومتمكنا من فنه - للابداع وتوخّي جوانب استنزال الدمعة والمشاركة العاطفية مع آل البيت عليهم السلام في مصيبتهم التي بقيت تفاصيلها تروى على مدى القرون .
وقد لجا ابن العرندس الى كلا الأمرين في الدفاع عن عقيدته ولا شك في ان ثمانية قرون (حتى عصر الشاعر) مرت على القضية الحسينية قد اكسبها طرحا ناضجا، بعد كل هذا التراث الطويل في رثاء الحسين عليه السلام والحديث عن أبعاد ثورته.
أما مدينة الحلة فمن بين ما روي عن الامام علي عليه السلام انه ذكر تمصير الحلة على يد المزيديين، اذ ورد عن علي ابن ابراهيم عن ابيه عن ابن ابي عمير عن ابي حمزة الثمالي عن الاصبغ بن نباتة قال: "صبّحت مولاي أمير المؤمنين عليه السلام عند وروده الى صفين وقد وقف على تل عرير، ثم أومأ الى أجمة ما بين بابل والتل وقال: مدينة واي مدينة، فقلت يا مولاي أراك تذكر مدينة أكان هاهنا مدينة وانمحت اثارها؟ فقال: لا ولكن ستكون مدينة يقال لها الحلة السيفية يمدنها رجل من بني اسد، يظهر بها قوم من الاخيار لو اقسم أحدهم على الله لابرّ قسمه"([19])
وشهدت المدينة منذ تمصيرها على يد الامير سيف الدولة صدقة بن منصور الاسدي المزيدي سنة 495ه، ظهور مئات الاعلام فيها، من الذين اطبقت شهرتهم الآفاق، ولقبوا بالقاب دلت على عظيم منزلتهم ومبلغ علمهم([20])
ونبغت فيها أسر علمية ما تزال تذكر آثارها بعين الاحترام والتبجيل منهم: آل طاووس، وآل نما، وآل جيا، وآل سعيد، وآل المطهر، وآل معية... كانوا أركانا للنهضة العلمية لا سيما بعد نشوء الحوزة العلمية في الحلة، وتصدرها الزعامة الدينية، ولعل الاسهاب في الحديث عن هذا يؤدي الى الاطالة التي لا موجب لها.
لقد عرضت في البحث الاول (من شعراء العقيدة) الى الحديث عن الناشيء الصغير (ت 366ه) وتوظيفه فنه في نصرة قضية الامام الحسين عليه السلام والذب عن عقيدته في دولة بني العباس، وفي هذا البحث سأعرض لشاعر يكاد يكون نَهَجَ السبيلَ نفسه الذي نهجه الناشئ الصغير، برغم الحقبة الطويلة التي تفصل بين عصريهما (خمسة قرون تقريبا) ([21]).
هذا التراث الكبير، وغيره كثير، لابد من ان يكون امام عيني شاعر يتخذ من عقيدته ميدانا أوسع لفنه، ولذلك تجده يغرق في تفاصيل الحدث مقلبا صفحاته بلوعة شديدة، منقباً الصور التي هي أكثر تاثيرا من غيرها، وقد بقيت على طول السنين تثير في المسلمين ولا سيما أتباع منهج اهل البيت عليهم السلام اللوعة الشديدة والالم المحض، تلك التي جعلت الادب الحسيني واحداً من الاداب الخالدة في التاريخ .
وسوف أعرض في الاتي لشعر ابن العرندس في الامرين اللذين تقدم ذكرهما وهما: ولاية امير المؤمنين عليه السلام، واستشهاد الامام الحسين عليه السلام.
ابن العرندس وعرضه لقضية الولاية:
بقيت قضية الامامة والولاية واحدة من اهم القضايا التي شغلت الفكر الاسلامي منذ وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحتى عصر الاسلام هذا، فقد نشأ صراع دائم بين منهجين في الامامة والولاية والخلافة، واحد يقول بان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يترك الناس هملا من دون تنصيب إمام لهم، يقود المسيرة الاسلامية، ويضع الحلول لما يستجد من احوال ومسائل، ويرى أتباع هذا المنهج ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوصى من بعده لامير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام وسلسلة الائمة الاثني عشر من بعده، في حين ان الفريق المقابل يرى ان النبي صلى الله عليه وآله وسلمتوفي ولم يوص لاحد من بعده، بل ترك الامر للمسلمين يرون فيه رأيهم، ولم يستطع الفريق الثاني ان يقدم أسسا موضوعية ثابتة لهذا الاختيار فقد تم مرةً ببيعة أهل الحل والعقد (بيعة ابي بكر الصديق) ومرة ًبالوصية (وصية ابي بكر للخليفة الثاني) وبالشورى ثالثة (اختيار عثمان) وبالبيعة العامة رابعة (بيعة الخليفة الرابع)([22])
وبغض النظر عن الخوض في تفاصيل هذه القضية (فليس هذا مكانه) فان هذين المنهجين بقيا يسيران متوازيين، وان كتبت الغلبة في الإستيلاء على السلطة للثاني منهما، ولكن المؤمنين بالمنهج الاول ظلوا يعلنون عقيدتهم في الوصية، وسلكوا في ذلك سبيلين يهمنا الاطلاع عليهما لما لهما من علاقة بفن ابن العرندس الشعري... هذان السبيلان هما:
الاستناد الى الرواية في ترسيخ القناعة بصدور الوصية من النني صلى الله عليه وآله وسلم قبل وفاته، ولعل أجلى ما كُتب في ذلك موسوعة الغدير للعلامة الاميني[23] التي عرض فيها المؤلف الى ما قيل من شعر في الغدير طول القرون الماضية، زيادة على الروايات المستندة الى الكتاب والسنة.
وتطلب هذا السبيل من الشاعر ان يعرض الرواية خلال النصوص الشعرية، والاشارة اليها في قصيدته
وقد افسح مؤلف الغدير في الجزء السابع من موسوعته محلا رحبا للحديث عن ابن العرندس ونقل بعض النصوص الشعرية له، معلقا عليها بذكر الروايات بتفصيل لا سبيل الى عرضه في هذا البحث([24])
الجانب الثاني: بيان أفضلية الامام علي عليه السلام وأحقيته بخلافة النبي وإمامة الامة، ولعل ذلك – ايضا- يتطلب عرضا للروايات في جانب منه
اما الموضوع الثاني الذي شغل شعراء أهل البيت عليهم السلام ونظموا فيه فهو قضية الامام الحسين عليه السلام.
وكان للشاعر اسهام واضح ومهم في هذا الجانب تمثل في القصائد الكثيرة التي قالها في رثاء الامام الشهيد عليه السلام وطريقة عرضه للقضية من جانبيها الفكري والعاطفي وطريقة الوصف اللافت والدقيق لكلا الامرين
وفي قضيتي الولاية وعرض قضية الامام الحسين آثرت ان اجمل الحديث في القصيدة الاولى التي نقلها صاحب الغدير، وقد اخترتها للتحليل لتكون موضوع البحث وذلك للاسباب الأتية:
طول القصيدة اذ بلغ عدد ابياتها 112 بيتا([25])
ثبوت نصها الذي ذكرته ثلاثة مصادر مهمة باختلاف جدا يسير([26])
شمولها للمواضيع التي تقدم ذكرها فيما سبق من صفات البحث، فهي تمثل بحق فكرا ونظرة متكاملة للشاعر وبيانا واضحا عن عقيدته ومزايا اسلوبه في الدفاع عنها.
انها تطرقت الى الامرين الاساسين في منهج اهل البيت عليهم السلام وهما: الحديث عن ولاية امير المؤمنين عليه السلام وعرض قضية الامام الحسين عليه السلام بجانبيها.
احتوت فنونا من البلاغة سنشير اليها.
عرضه لولاية امير المؤمنين عليه السلام:
عمد ابن العرندس في عرضه لقضية الولاية الى السبيلين الذين تقدم ذكرهما وهما: سوق الروايات التي وصلت الينا عن امير المؤمنين عليه السلام وذكر المعجزات التي تحققت على يديه، من خلال شعره ففي قصيدته التي اخترناها ومطلعها:
اضحى يَمِيسُ كَغُصْنِ بانٍ في حلَى قمرٌ اذا ما مرَّ في قلبي حَلا
قال منوّها بالروايات التي وردت في امير المؤمنين عليه السلام:
والمعجزات الباهرات النيرا
منها رجوع الشمس بعد غرو
ولسَيْرهِ فوق البساط فضيلةٌ
وخطاب اهل الكهف منقبةٌ عَلَتْ
وصعود غاربَ احمدٍ فضلٌ له
ت المشرفات المعذرات لمن غلا
بها نبأ تصير له البصائرُ ذُهَّلا
اوصافها تعيي الفصيح المقْوَلا
وَعَلَتْ فجاوَزَت السماك الأعْزَلا
دون القرابةِ والصحابةِ افضلا([27])
ومن استناده على ما يروى من مناقب امير المؤمنين عليه السلام يقول:
وبه توسل آدمٌ لمّا عصى
وبه دعا نوحٌ فسارت فلْكُهُ
وبه الخليل دعا فأضْحَتْ نارُه
وبه دعى موسى تلقّفت العصا
وبه دعا عيسى المسيح فانطق
وبخم واخاه النبي محمدٌ
حتى اجتباهُ ربُّنا وتقبَّلا
والارضُ بالطوفانِ مُفعمة مَلَا
بَرْدا وقد اذكت حريقا مُشْعَلَا
حياتَ سِحْرٍ كُنَّ قُدْمَاُ أَحْبُلَا
المَيْتَ الدَّفينَ به وقامَ مِن البلَى
حقا وذلك في الكتاب مُنَزَّلَا
الى ان يقول:
وترابُ نعل أبي تُرابٍ كُلَّمَا
فعليه أضْعافُ التحيّةِ ما سضرَى
سمعاً أمير المؤمنين قصائدا
مَسَّ القذا عين يكون لها جِلَا
سارٍ ومَا سَمَحَ السَّحابُ وأهْمَلَا
تزدادُ ما مَرَّ الزَّمَان تّجَمّلَا
ولا ينسى ان يمدح شعره فيقول في خاتمة قصيدته:
عربيةٌ نشأت بِحِلَّةِ بابلٍ
سادتْ فشادتْ للعرندسِ صالحٍ
وَسِمَتْ قلوبَ حواسدي وَسَمَتْ عَلى
وعَلَتْ بمدحِكَ يَاعَليّ ووازنت
فغدَّّتْ تُخَجِّلُ بالفصاحةَ جِرْوَلَا([28])
مجْدا على هام النجوم مُؤَثَّلَا
(نَمِّ العذارِ بعارضيْهِ وسَلْسَلا)([29])
(لم ابْكِ رَبْعَا للْاحبّةِ قد خَلَا)[30]
وفي سبيله الثاني في ذكر ولاية امير المؤمنين لجا الى بيان افضليته عليه السلام وتميزه بين الصحابة ومن هنا يرى أحقيته في الخلافة لكونه الافضل فيقول:
هذا الذي حاز العلوم بأسرها
هذا الذي بِصلاته وصَلاتِهِ
هذا الذي بحُسامِهِ وقناتِهِ
وأبادَ مَرْحَبَ في النزال بضربَةٍ
وكتائبُ الأحزابِ عَمّرَها
وتَبوكُ نازلَ شُوْسَها فأبادَهُمْ
ما كان منها مُجْمَلاً ومُفَصَّلا
للدين والدُّنيا أتمّ وأكْمَلا
في خيْبَرٍ صَعْبُ الفتوح تَسَهّلا
ألقت على الكفّار عِبْئاً مُثْقَلا
بدمائِهِ فَوْقَ الرّمالِ مُرَمَّلا
ضَرْبَاً بِصارمِ عزْمِهِ لن يُفْلَلَا
وقال في مناقب امير المؤمنين عليه السلام:
ثمّ السلامُ منَ السلامِ على الّذِي
تالي كتابَ اللهِ أكرمُ مَنْ تَلَا
زوجُ البتولِ أخُ الرّسولِ مُطَلِّقُ
رَجُلٌ تسربل بالعفاف وحبّذا
تلقاه يوم السلم غيثا مسبلا
نُصِبَتْ له في خُمّ راياتُ الوَلا
وأجَلّ مَن للمُصْطَفَى الهادي تَلا
الدنيا وقاليْها بنِيْرانِ القِلَا
رجل باثواب العفاف تسربلا
وتراه يوم الحرب ليثا مشبلا
اما في شعره في قضية الامام الحسين فان له جملة قصائد في رثائه عليه السلام نذكر منها
قصيدته التي مطلعها:
صدايا نظامي في الزمان لها نشرُ يعطّرها من طِيْبِ ذكراكم نشرُ([31])
قصيته التي مطلعها:
ايا بني الوحي والتنزيل يا املي يامن ولاكم غدا في القبر يؤنسني([32])
وقصيدته التي مطلعها:
بات العذول على الحبيب مسهدا فاقام عذري في الغرام ومهدا([33])
وقصيدة ذكر مطلعها صاحب الغدير وهو قوله:
نوحوا ايا شيعة المولى ابي حسن على الحسين غريب الدار والوطن([34])
وفي تناوله لقضية الامام الحسين عليه السلام في قصيدته التي اخترناها للبحث يبدا بذكر مناقب الامام مشيرا الى الروايات المنقولة في ذلك يقول:
القائم الصوّام والمتصدّق الطعّا
رجل بصيوان الغمامة جده
وابوه حيدرة الذي بعلومه
والام فاطمة المطهرة التي
نسب كمنبلج الصباح يزينه
السيد السند السعيد الساجد
قمر بكت عين السماء لاجله
م افرس من على فرس علا
المختار في حر الهجير تظلا
وبفضله شرح الكتاب تفصلا
بالمجد تاج فخارها قد كللا
حسب شبيه الشمس زاهي المجتلى
السبط الشهيد المستضام المبتلى
اسفا وقلب الدهر بات مقلقلا([35])
وهكذا تجده يعرض لمناقب الامام عليه السلام بتفصيل واف كانما يكتب بحثا مفصلا، مستقصيا في ذلك امورا تعد من المسلمات عند من يؤمن بمنهج اهل البيت عليهم السلام.
ويذكر شجاعة الامام عليه السلام فيقول:
فكأنه وجَواده وحُسامه
شمس على الفلك المُدار بكفّه
والخيل محدقة بجيم جماله
والسبط يخترق المواكب حاملا
فبسين سحر الخط يطعن أنجلا
فتخال طاء الطعن انى أُعجمت
يا صاحبيّ لمن اراد تاملا
قمر منازله الجماجم والطِلا
وقلوبهم في الغي تحكي المرجلا
بعزيمة تردي الخميس الجحفلا
وبياء بيض الهند يضرب أهْدلا
نقطا وضاد الضرب كيف تشكلا
اما في السبيل الثاني لذكره قضية الامام الحسين عليه السلام وهو سبيل اثارة الجانب العاطفي لدى المتلقي فان الشاعر يسهب في تفصيل واقعة المعركة منبها على الجانب الماساوي فيها، ومشيرا الى خرق جيش بني امية لكل قيم العدالة والانصاف في حربهم مع الامام الحسين عليه السلام فيذكر في رثائه للامام عليه السلام الاحداث بلوعة صادقة وأسى شديد فيقول:
تاللهُ لا أنساه فرداً ضامياً والماء ينهل منه ذيبان الفلا
فاستشهاد الامام الحسين عليه السلام ضامئا قضية ظلت تثير خيال الشعراء وأساهم، ولا تجد شاعرا يرثي الامام الا وقد اشار الى ضمإه ساعة استشهاده برغم وجود الماء بقربهم، بل ان الضمأ يستدعي ذكر استشهاد الامام مترافقا مع استشهاد اخيه العباس عليهما السلام في ذلك الموقف الذي ادى بالعباس عليه السلام الى الهجوم على الجيش للحصول على الماء لعيال اخيه الحسين عليه السلام فيذكر ابا الفضل العباس في قوله:
والسَيّدُ العبّاس قد سلب العدا عنه اللباس وصيروه مجدلا ([36])
ونجده لا يمر بواقعة في المعركة الا ويعطيها حقّها في الحدث فيصف قتال الامام الحسين عليه السلام ويقول:
حتى اذا ما السبط آن مماته
داروا به النفر الطغاة بنو الزنا
ورماه بعض المارقين بعيطل
واتى بغي من ضباب صائلا
وجثا على صدر الحسين وقلبه
فبرى بسيف البغي رأسا طالما
وعليه سلطان الحمام توكّلا
ة العاهرات وطبقوا رحب الفلا(2
سهما فخر على الصعيد مجدلا
بالقس تغميض القطامي الأجدلا(3
حقدا وعدوانا عليه قد امتلا
لثم النبي ثنيتيه وقبّلا
ويذكر ما حدث في ساعة سقوط الشهيد عليه السلام وقد اسهبت الروايات في الحديث عن امور لافتة حدثت حينذاك ويقول بعد الابيات التي تقدمت:
واسود قرص الشمس ساعة قتله
ونعاه جبريل وميكال واس
والطير في الاغصان ناح مغرّداً
واتى الجواد ولا جواد فوقه
أسَفاً وشُهب الفلك أمْسَت أفّلا
رافيل والعرش المجيد تزلزلا
والوحش في القيعان ناح وأعولا
متوجعا منفجعا متوجلا
وبعد استكمال وصف اركان الصورة كاملة قبل المعركة وخلالها وبعدها، يصف الشاعر ما حدث بعد مقتل الحسين عليه السلام وقد تقدم بعض الوصف في الحديث عن جواد الامام الحسين عليه السلام ويكاد يختم الصورة الرواية في قوله:
حتى اذا قتل الحسين وأصبحت
ومنازل التنزيل حل بها العزا
بغت البغاة جهالة سبي النسا
نصبوا بمرفوع القناة كريمة
وسروا بنسوته السراة بلا ملا
وغدوا بزين العابدين الساجد ال
وسكينة امسن وساكن قلبها
من بعده غُرّ المدارس عطّلا
ومن الجليس انيس مربعها خلا
وبغت وحق لمن بغى ان يجهلا
جهرا وجروا للمعاصي اذيلا
حسرى يلاحظهن الحاظ الملا
حبر الامين مقيدا ومغلّلا
متحرك فيها الاسى لن يرحلا
ولم يجحد الشاعر الخيل حقها في الوصف، فتراه يرصد فيها اوصافا طالما شغلت الشعراء الفرسان من العرب، منذ عنترة وتحمحم حصانه حتى اليوم، وطالما اخذت الخيل مكانها المميز في أذهان الشعراء وشعرهم فأعطوا للخيل أوصافاً تشير الى شدة اعتزازهم بها، ولا غرو فالخيل يرتبط ذكرها بالفرسان والمعارك والخيل معقود بنواصيها الخير، وهي دليل الشجاعة والفروسية واخلاقها التي انعدمت تماما في معركة الطف، وضاعت مقاييسها فيها، ولذلك فقد ظل الشعر العربي يستظل بذكر الخيل والمعارك والفرسان ونجد شاعرنا يقول:
فسطا عليهم بالنزال بعزْمَةٍ
من فوق طِرْف أعوجيّ سابحٍ
فرس حوافره بغير جماجم ال
|أضحى بمبيض الصباح مجللا
تذر الحسام المشرفيّ مفلّلا
كالبرق يسبق في سراه الشمألا
فرسان في يوم الوغى لن تنعلا
وغدا بمسود الظلام مسربَلا
بل ان الشاعر يؤنسن تصرف الجواد، ويضفي عليه مسحة آدميّة تظهر تفجّعه، ويضفي عليه حركة وإيحاء رائعاً حين يصف رجوع الجواد بعد سقوط فارسه "الامام الحسين عليه السلام" الى المخيم فيقول:
واتى الجوادُ ولا جوادٌ فوقه
عالي الصهيل بمقلة انسانها
متوجّعا مستفجّعا متوجّلا
باكٍ يسحّ الدَّمْعَ نقْطا مُهْمَلا
فالجواد هنا يحس بمقتل فارسه ويعود الى مخيم الحسين عليه السلام بحال من الحزن والبكاء وصهيل الملتاع، ويسند هذا الوصف ما قيل عن جواد الامام الحسين عليه السلام من انه كان من كرام خيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وانه طلب فلم يلحق كما ذكر اصحاب المقاتل.
نظرة في فن الشاعر:
تقدم القول في ان الشعر يكاد يكون – في فنه- امتداداً لما حفلت به تلك الحقبة ابان حكم المغول وما بعده. ومما ينماز به فن الشاعر في قصيدته هذه:
أضحى يميس كغصن بان في حلى
سلب العقول بناظر في فترة
وانحل شدّ عزائمي لمّا غدا
وزها به كافور سالف خده
وتسلسلت عينا سلاسل صدغها
قمرٌ قويم قوامه كقناتِهِ
قمرٌ اذا ما مر في قلبي حلا
فيها حرام السحر بات محللا
عن خصره بندُ القَباء مُحَللا
لما بريحان العذار تسلسلا
فلذاك بات مقيّدا ومُسلسلا
ولحاظُه في القتل تحكي المنصلا
وتطول المقدمة حتى تبلغ سبعة عشر بيتا في الغزل لتخلص منها الى غرضه في رثاء الامام الحسين عليه السلام.
ونجد في هذه المقدمة صورة للمفردات الغزلية التي حفلت عصور الادب العربي من غزل حي يتجلى في وصف المحاسن، وفي تشبيه تقليدي فهو يميس كالغصن ويشبه القمر ويسلب العقول بنظرة فاترة، وقد داب الشعراء العرب على وصف النظرات بالفتور، وكانهم بهذا ياخذون على الانثى ان تكون ذات نظرات حادة، ويعدونه نوعا من الصلف، وهو انعكاس لعقدة يحملها الرجال الذين يريدون ان تكون المراة دائما مثالا للضعف وفتور النظر واحد من علامات ذلك الفتور المستحب.
ويخاطب الشاعر معشوقه بضمير المذكر، وهو ما جلب على الشعر كثيرا من النقد الاخلاقي واتهام الشعراء بالولع بالغزل بالمذكر، من دون ان يفطنوا الى ان الشار في غزله هذا وامثاله قد لا يعني شخصا محددا بذاته وانما هو تقليد بات مطلوبا وصار سنة لدى لاشعراء ينفسون بها عن عواطفهم. وان موضوع الغزل بالمذكر في الشعر العربي لا يفهم بهذه السطحية والسهولة([37])، وهكذا فالقصيدة في مقدمتها الغزلية لم تكن الّا مظهرا من مظاهر التقليد الذي داب عليه شعراء هذه القرون، وان الشاعر سار على منهجهم واقتفى خطواتهم في ذلك.
ومن مظاهر التقليد في القصيدة لديه ما نجده من التاثر بالموروث الاسلامي من الحديث الشريف والاقوال الماثورة، ففي مقدمته الغزلية يقول:
سلب العقول بناظرٍ في فترة فيها حرام السِّحر بات مُحللا
وهو هنا يستلهم ما يقال عن الشعر انه السحر الحلال، فيرى الفتور في النظرة يسلب العقل كما يسلبه السحر مع فارق ان هذا السحر حلال.
ويفيد من الموروث في استناده الى الروايات التي تقدم الحديث عنها ومنها قوله في وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم
رجل بصيوان الغمامة جده ال مختار في حرّ الهجيرِ تظَلّلَا
مشيرا الى الرواية الماأورة من ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان تظلله غمامة في السماء تسير معه أنى سار لتقيه حرّ الهاجرة.
ومن مظاهر التقليد في شعره اهتمامه بحسن التخلص الى غرضه من القصيدة فهو بعد المقدمة الغزلية التي تحدثنا عنها نجده يتخلص الى غرضه ببراعة فيقول بعدها مباشرة:
وجرت سحائب عبرتي في وجنتي
الصائم القوّام والمتصدّق الطعّا
كرم الحسين على اراضي كربلا
مُ أفرَسُ مَن على فرس علا
ولا تعدم ان تجد التضمين في شعره بمعناه المعروف في تعلق معنى البيت بالبيت الذي يأتي بعده ومن هذا قوله واصفاً الامام الحسين عليه السلام في المعركة يقول:
فكأنه وجوادُه وحسامُه
شمس على الفلك المدار بكفّه
يا صاحبَيَّ لمن أراد تأمُّلا
قمر منازله الجماجم والطِّلا
فجعل المشبه به في البيت الثاني بعد ان ذكر المشبه في البيت الاول.
ولعل ابرز مظاهر التقليد في شعره سعيه لمتابعة ما شاع في عصره من الاهتمام بالمحسنات اللفظية والمعنوية والسعي للاكثار منها في الشعر، والقول في اسباب ذلك يستلزم دراسة موسعة في العصر وما شاع فيه من هذا النوع من الفنون البلاغية.
ومن المحسنات اللفظية التي وردت في قصيدة ابن العرندس واسرف فيها كثيرا بيد انها لم تخل من صور من الجمال والتاثير فن الجناس([38])
والجناس: بين اللفظين هو تشابههما في اللفظ مع الاختلاف في المعنى وهو انواع منه.
الجناس التام: وهو ان يتفق اللفظان في أنواع الحروف وأعدادها وهيئاتها وترتيبها وهو انواع.
ومن امثلة ما ورد من الجناس في شعر الشاعر الجناس الاشتقاقي([39]) في قوله:
وتسلسلت عينا سلاسل صدغه فلذاك بات مقيدا ومسلسلا
والجناس الاشتقاقي هنا في: تسلسلت وسلاسل ومسلسلا
وقوله:
كسرى بعينيه الصحاح وخده النعمان بالخال النجاشي خولا
في (خال وخولا)
وقوله:
وتوارثوا من بعد سلب نفوسهم دار المقامة في القيامة موئلا
في (المقامة، القيامة)
ومنه ايضا قوله:
وسكينة امست وساكن قلبها متحرّك فيه الأسى لن يرحلا
في (سكينة، ساكن)
ومن الجناس التام([40]) في قصيدته:
قوله:
وسروا بنسوته السراة بلا مِلا حسرى يلاحظهن الحاظ المَلا
والجناس التام في :ملا بمعنى جمع ملاءة
والملا: الناس
وقوله:
واتى الجواد ولا جواد فوقه متوجّعا مستفجعا متوجّلا
والجناس التام في الجواد بمعنى الحصان
والجواد الثانية بمعنى الفارس الكريم
ولا يفوتنك الجناس الناقص[41] في قوله في البيت نفسه: متوجعا متوجلا
وفي الجناس الناقص في قصيدة ابن العرندس موضوع البحث قوله:
وجناته جورية وعيونه حورية تَسْبي الغزال الأكحلا
والجناس الناقص في قوله: جورية وحورية
وقوله
كتب العليّ على صحائف خدِّه نونَي قُسِيّ الحاجبين ومثّلا
والجناس الناقص في علي وعلى
وقوله:
ولقد برى فيَّ السقام وبتّ في لُجَجُ الغرامِ معالجاً كَرْبَ البلا
والجناس يظهر في: برى – البلى – بت
وقوله في وصف الامام الحسين عليه السلام:
الصائم القوام والمتصدق المطعا م افرس من على فرس علا
فالناقص في: افرس – فرس
والتام في: على – علا
وقوله:
شربوا بكاسات القنا خمرَ الفنا مزج البلاء به فامسوا في البلا
والجناس في: القنا والفنا... والبلاء والبلا
وقوله:
بذلوا النفوس وبدلوا من جهلهم ما ليس في الاسلام كان مبدّلا
وتجد الجناس الناقص في: بذلوا وبدّلوا
وقوله:
يشفيك اذ يسقيك منه بوابلٍ عذبٍ له أَرَجٌ يحاكي المندلا
والجناس في: يشفيك ويسقيك
وقوله:
وخطاب اهل الكهف منقبةٌ غلتْ وعلتْ فجاوزت السماك الأعْزَلا([42])
والجناس في: غلت وعلت
وقوله:
تلقاه يوم السلم غيثا مسْبلا وتراه يوم الحرب ليثا مشْبلا
والجناس في : غيثا وليثا ... ومسبلا ومشبلا
وقوله
يا طَفّ طافَ على ثراك من الحيا هامٍ تسير به السحائبُ جَحْفَلا
والجناس في: طف وطاف وهو جناس ناقص
وقوله:
ولألعنن زيادها ويزيدها ويزيدها ربّي عذاباً مُنْزَلا
والجناس الناقص في: زيادها ويزيدها
وتام في: يزيدها: الخليفة الاموي
ويزيدها: الزيادة وهنا زيادة اللعن
وقريب من ذلك قوله يصف العصابة الاموية التي سارت بالسبايا الى يزيد في الشام:
تسري بهنّ الى الشآم عصابةٌ أموية تبغي العطاء الأجْزَلا
ترضي يزيد لكي يزيدلها العطا جهلا ويتحفها السؤالَ مُعَجَّلا
والجناس في: يزيد الخليفة الاموي
ويزيد : يعطي المزيد
ومنه:
والطفلُ شمس حياته قد أصبحت في الخسف في طَفَلٍ وجلَّ مُؤَثّلا([43])
والجناس التام في قوله:
الطفل ويريد به الولد الصغير (الرضيع)
والطَفَل وهو هنا من طفلت الشمس: دنت للغروب
ومن المحسنات المعنوية التي ترد امثلة عليها في القصيدة الطباق.([44])
ومنه قوله:
فمحلَّلٌ قد صيَّروه مُحَرَّمَاً ومُحَرَّمٌ قد صيَّروه مُحَلَّلا
وهو من قبيل الجمع بين لفظين من نوع واحد، وهنا الجمع بين اسمين: محرم وحلل.
وقوله في وصف الجواد:
اضحى بمبْيَضّ الصَّباح مُجَلَّلًا وغدا بمُسْوَدِّ الظلامِ مُسَرْبَلا
والطباق هنا في: مبيض ومسود ... والصباح والظلام
وقوله:
ينثّونَ من جَوْن العيون مدامعاً حُمْرَاً على بِيْض السوالف هُطّلَا
والطباق هنا في: جون العيون، وبيض السوالف
وقوله:
تلقاه يوم السلم غيثاً مُسْبِلَاً وتراه يومَ الحرب ليْثاً مُشْبِلَا
والطباق هنا في: يوم السلم ويوم الحرب
ومن الفنون البلاغية الأخر التي وردت في القصيدة:
رد الأعجاز على الصدور([45]): وورد في قوله
وتسلسلت عينا سلاسل صَدغه فلذاك بات مقيدا ومسلسلا
وقوله:
وسلا الفؤاد بِحَرِّ نيران الجَوَى منّي فذابَ وعنْ سواهُ ما سَلا
التكرار: وهو فن بلاغي يتمثل في تكرار اللفظ (حرفا او كلمة او جملة) بهدف ترسيخ المعنى وتوكيد تأثيره في ذهن المتلقي، وقد كرّر قوله (هذا) في ثلاث ابيات متتالية([46]) وكرّرَ الجار والمجرور وحرف العطف (وبه) خمس مرات في قصيدته في خمسة ابيات متتالية([47])
ومن ترديد الحرف وتكراره والمواءمة بين الكلمات التي تبدأ او تحتوي الحرف نفسه في البيت الواحد تجده يقول:
فاعجبْ لِعَيْن عبيرعنبر خاله في جيم جَمْرة خدِّهِ لن تُشْعَلا
فجمع هنا بين العين في العين وعبير وعنبر، وبين الجيم وجمرة في وقوله ويحسن الافادة من تكرار الحروف في جناس يجمع فيه قواعد الجناس، ولا يفقده تاثيرها وجرسها الجميل يقول:
جيشٌ ملا فوه الفلا وأتى فلا أمست سنابك خيله تفلي الفَلا
فكلمات: فلا فلا، تفلي الفلا، تعاقبت فيها الفاء واللام في تكرار مؤثر فأعطت زيادة على الجناس الذي تحمله جرساً لافتا أضفاه الحرفان على المعنى والجرس.
وتاخذ الحروف في شعره مركزاً مهما، وقد يصوغها صياغة لا تخلو من ابتكار من ذلك قوله:
فبسين سحر الخط يطعن أنجلا
فتخال طاء الطعن أنّى أُعْجِمت
وبياء بيض الهند يضرب أهْدَلا([48])
نقْطا وضاد الضرْب كيف تشكّلا
ومثل ذلك تجده في قوله يصف حال سكينة بنت الحسين عليهما السلام عند السبي فيقول:
وبدال دمع العين منها غرّقت صاد الصعيد وأنبتت كاف الكَلا
ولامر ما قصده الشاعر قال غرّقت ولم يقل أغرقت، ويسلم الوزن فيهما
وهكذا فانك لا تجد في القصيدة بيتا يخلو من فن بلاغي يوشّح به أبياته، ولكنّ السمة الغالبة على فنّه انه لا يسوق الفن البلاغي الذي يريد سَوْقَ تعمّل ومبالغة في التحري عنه، إنما يأتي في معظم حالاته عفو الخاطر، يوشح الصورة البلاغية ويضفي عليها جرسا موسيقيا مؤثرا يرافق دائما فن الجناس حين ياتي عفو الخاطر منسجماً مع الصورة الفنية التي تحتويه.
من ذلك الصورة التي يرسمها بفنّه البلاغي الحافل بالحركة والتجنيس حين يصف موقف الامام الحسين عليه السلام وهو ضامٍ يواجه عشرات الألوف من عسكر بني امية الذين احاطوا بالماء يمنعونه من وصوله فيقول:
ضامٍ إلى ماء الفرات فإن يَرُمْ نهلاً يرى البيض الصوارمَ مَنْهَلا
فالجناس في (نهل ومنهل) جاء ُمتناغما مع الصورة الشعرية التي يرسمها النص، سيما اذا عرضناه بتمامه فيقول بعد البيت المتقدم:
والقوم مُحْدِقَةٌ عَلَيْهِ بجحْفلٍ
متلاطم سغبت به أسيافهم
كالبحر آخرُه يحاكي الأوّلا
فغدا لهم لحم الفوارس ماكَلا
ويختم الصورة برسم ما يثير عجبه من المفارقة في الموقف التي يجدها في البيت الاتي:
ومِنَ العجائبِ انّه يشكو الظما وأبوه يسقي في المعاد السلسلا([49])
وبعد ذلك ينتقل الى تعميق الصورة بربْطها بصورة أخرى تكاد تنبثق منها فيقول:
حَامَتْ عليْه للحِمَامِ كواسرٌ
أمست به سُمْرُ الرِّماح وزُرْقِها
هاتيك بالدم قد صُبِغْنَ وهذه
ظمئت فأشْرَبَت الحِمَام دمَ الطِّلا
حُمْراً وشُهْبُ الخيل دُهْمَا جُفَّلا
صُبِغَتْ بنَقْع صِبْغَةً لَنْ تَنْصِلا
ومن توظيف الألوان في الصورة، وجعلها برغم تنافرها واختلافها تبدو منسجمة متناغمة، تتكامل من خلالها جوانب الصورة كما تتكامل في ريشة فنان تشكيليّ بارع يقول في إحدى الصور التي يرسمها بالكلمات مع الأبيات التي مرت:
حامت عليه للحِمام كواسرٌ
أمْسَتْ به سُمْرُ الرِّماح وزُرْقُها
هاتيك بالدم قد صُبِغْنَ وهذه
عقدتْ سنابكُ صافناتِ خيولِهِ
ظمِئَت فأشْرَبَت الحِمام دمَ الطِّلا
حُمْرَاً وشُهْبُ الخَيْل دُهْمَاً جُفَّلا([50])
صُبِغَتْ بنقعٍ صِبْغَةً لَنْ تَنْصُلا
مِنْ فَوْقَ هاماتِ الفوارس قَسْطَلا([51])
فانت تراه جمع بين سمرة الرماح وزرقتها وجعل مآلها واحدا الى الحمر لاصطباغها بالدم، وجعل شهب الخيل (أبيضها المشرَّب بالسواد) دُهْمَاً: أي شديدة السواد، ولم يقلْ حُمْراً، ولعله أشار الى آثار النقع فوق رؤوس الخيل الجُفّل، التي لا يقرّ لها قرار فَهْيَ سريعة نافرة كثيرة الحركة، فاصْطَبَغَتْ بالسواد لكثرة إثارتها للغبار في حركتها السريعة الكثيرةِ الحمْرة قريبةٌ من السواد ممّا أضفى على الصورة الانسجام في الالوان الذي نتج عن شدة المعركة، وكثرة الدماء التي أهرقت فيها حتى يقول مجملا ملامح الصورة:
ودَجَتْ عَجَاجَتَهُ ومَدَ سَوادَه
وكأنّما لمعَ الصَّوارمَ تحتهَ
حتى أعاد الصُّبْح ليلاَ ألْيَلَا
برقٌ تألق في غَمام فانجلى
وتجده يبدع في تشكيل لوحته بالالوان المختلفة فيوائم بينها لاستكمال التشكيل اللافت فيصف موقف عيال الامام الحسين عليه السلام بعد عودة الجواد خاليا من فارسه:
فسمعْنَ نُسْوانُ الحسين صَهِيْلَهُ
ينثونَ مِن جَوْنِ العيون مَدَامِعَاً
فبَرَزْنَ مِن خَلَلِ الْمَضارِبِ ثُكَّلا
حُمْرَاً على بيْضِ السوالفِ هُطَّلا
الصورة الفنية في شعره:
لعل مقولة الجاحظ الآنفة الذّكر التي تقول ان الشعر "صناعة وضرب من النسج وجنس من التصوير" توحي بوضوح انه لا يمكن تصور شعرٍ خالٍ من الصورة، فما هي الصورة؟ "انها في أبسط معانيها رسم قوامه الكلمات"[52] او هي "تشكيل جمالي تستحضر فيه لغة الابداع الهيئة الحسية او الشعورية للاجسام او المعاني بصياغة جديدة تمليها قدرة الشاعر وتجربته وفق تعادلية بين طرفين هما المجاز والحقيقة دون ان يستبد طرف باخر"([53])
ان الشعر نشاط تخيلي يتم برعاية العقل، والتخيل جوهر العملية الشعرية ولا يتم الا بمقدمات تخيلية، ووزن ذي ايقاع مناسب يتيح له التاثير في المتلقي ليستجيب لتخيله وان الشعر لا يقدم نوعاً معرفياً مميزاً، بل هو لا يقدم معرفة على الاطلاق، وليست هذه وظيفته، انما هو تخيل فحسب، ولذلك فلا قيمة لان تكون مادته صادقة او كاذبة في الجانب المعرفي، وانما يجب ان يتوافر على الصدق الفني، فالمهم ما يحدثه من أثر في المتلقي، وما يصاحب ذلك من انفعال.
والشاعر يحاكي ما يتوافق وطبائع الانسان، وما يتحكم في هذه الطبائع من ثوابت أساسية بطريقة قائمة على الاحساس والتخيل والانفعال مع ما يرافق ذلك من متعة ذهنية خالصة عن طريق براعة الشاعر في صنع صوره، وفي إكساب مفرداته دلالتها المتجددة والمؤثرة.
واذا كان الشعر نشاطا تخيليا، والتخيل يشير – فيما يشير اليه - الى الانواع البلاغية للصورة فلذلك اختص الشعر بها دون غيره من فنون القول الأخر، وهي وان توافرت امكانية استعماله في النثر، الا انها تظل لصيقة بالشعر، ووثيقة الصلة به لان الانواع البلاغية، ملازمة أصلا للطبيعة التخيّلية للشعر وهي التي توصل الفعل التخيلي للمتلقي، فالشعر نتاج فاعلية الخيال وهذه الفاعلية ليست نسخا للعالم وانما اعادة تشكيل لعلاقاته.
"والخيال المصور يدرك ما في المعاني من عمق وما يتصل بها من اسرار جميلة ادراكا حادا رائعا، والذوق يختار أصفى العبارات وأليقها بهذا الخيال الجميل"([54])
فالاشياء التي ندركها تقع على أعضاء الحس لدينا وتنتج صوراً في الذهن، وتبقى هذه الصورة مخزونة في الذاكرة عندما لا يغدو للاشياء ذاتها وجود... "فاذا اقتضت حاجة للقيام بأي عمل فني وجدت قدرة التصوير موادها أمامها جاهزة للاستعمال"([55])
ولا بد هنا من البحث عن مدى براعة الشاعر في صوره ولا شك في ان "مقياس البراعة أو المفاضلة بين أديبين تعرّضا لفكرة واحدة او موضوع واحد، هو قدرة كل منهما على تصويرها من وجهة نظره الخاصة في اسلوب راق يجمع بين صدق الشعور وصدق التصوير"([56])
ان الصورة تنطلق من مجموع العلاقات القائمة أو المحتملة بين الانسان والمظاهر الوجودية المحيطة به وهي بلا شك "تركيبة معقدة يتدخل في تركيبها عنصران مهمان، أحدهما ظاهري يقوم في الحواس المتخيَّلة، والثاني باطني يقوم في النفس وموطن التجربة، ويكون الاول معادلا للثاني وعلى قدر انفعاله"([57])
وهكذا فان لونا ما أو رائحة أو حركة يستو حيها الشاعر من موقف ما، قد توقظ في الذهن سيلا من الصور المختزنة في الذاكرة، وتستدعي الصور بعضها بعضاً، فتنتج أنماطا أخر قد تكون أكثر طرافة وإثارة، والشاعر يملك كثيراً من وسائل التصوير، لانه يحاول دائما ان يقترب باللغة من روحها البدائية الاولى "وكلما قربت اللغة من موضعها البدائي كلما كانت تصويرية"([58])
وليس من طرقٍ محددةٍ لصنع وتشكيل الصورة، ولا يمكن تحديد أنواع معينة لها، فلكل شاعر طريقته في رسم صورته كما يراها، ولهذا فان الشعراء منذ أقدم الأزمنة عبّروا عن معان واحدة، ولكن في صور متعددة، ولهذا أيضا يجهد كل شاعر في استقصاء الصورة في محاولة تنجح أحيانا في توليد صورة جديدة.
وفي قضية الامام الحسين عليه السلام فلا بد من ان نطالب الشاعر بصورة فيها من الابتكار والجدَّة ما يتجاوز فيه التناول المعتاد لشعراء سبقوه، فهل أفلح في ذلك؟
يقول:
وبنو أميةَ في جسومِ صِحابِهِ
شربوا بكاسات القنا خَمْرَ الفَنَا
وتقاطعت أرْحامهم وجُسومهمْ
وتوارثوا من بعد سلب نفوسهم
قد حَطّموا السُّمْرَ اللّدان الذُّبَّلا
مُزِجَ البلاءُ به فأمسوا في البلا
كَرَمَاً وأوْصَلت الرؤوسَ الأرْجُلا
دار المقامة في القيامة موئلا
ويقول ايضا:
ومِن العَجائبِ إنه يشكو الظَمَا وأبوه يَسْقي في المَعاد السَلْسَلَا
وكل جزئيات الصورة هذه تعتمد على الحقائق المادية، ولذلك فالحس يعتبر من ابرز مصادر صور الشاعر فهو يقول:
حامت عليه للحمام كواسرٌ
أمست به سُمْر الرماح وزرقها
هاتيك بالدم قد صُبِغْنََ وهذه
ظمئت فأشربت الحمام دمَ الطِّلا
حمْراً وشهب الخيل دُهْمَاً جُفَّلا
صُبِغَتْ بنقع صِبْغَةً لن تنصُلا
وهكذا تبدو الصورة وهي تمور بالحركة، حتى ليكاد الشاعر يقيمها أمامنا جسداً حيّاً متحرّكاً يصدر فيها موجات متدفّقة من الحركة الرائعة، تشمل كل جزئية فيها بالتشكيل العام، ويلحظ فيها تاثير الجانب الديني في خيال الشاعر في تكوين صوره، وذلك أمر لا بد منه لانه يظلّ مؤثرا في الذهن وهو يؤدي الى نوع من النمطية والتكرار في الصورة بين الشعراء ذوي العقيدة الواحدة، نتيجة استلهامهم ذلك التراث الفكري، ولذلك في دراستنا لشاعر تمثل العقيدة الدينية جانبا مهما من تكوينه الفكري، لا بد من ان نلحظ تلك العلاقة الوثيقة بين صوره الفنية، وم
مسجد ومرقد العلماء الاربعة في الحلة,
ZAER
كتب
سنة مضت:6سنوات مضت::
السيد محمد بن السيد علي بن الحسين الملقب بذي الدمعة ابن زيد الشهيد = مرقده في الحلة بالقرب من مرقد الشيخ الجليل نجيب الدين أبي زكريا المشهور بابن سعيد الهذلي الحلي في الجهة الغريبة له. وقد اشتهر في مدينة الحلة اشتهاراً يعتد به عند الحليين بأن صاحب هذا القبر هو السيد محمد أبو دميعة
وقيل : أن هذه البقعة هي موضع قبر الحسين بن زيد الملقب بذي الدمعة الساكبة ، وقال حفيده محمد حسين حرز الدين : يقع قبره ( بمحلة الطاق ) على الشارع العام ، في السوق ، مشيد عليه آثار القدم ، يقع في غرفة صغيرة في وسطها شباك خشبي هو رسم القبر ، وكان عليه ستار أخضر ، فوق القبر لوحة مكتوب عليها هذا مرقد ( السيد محمد بن السيد علي بن الحسين الملقب بذي الدمعة ابن زيد الشهيد ). عليه قبة بيضاء متوسطة الحجم والارتفاع ، أمام القبر صحن دار صغير فيه نخلة وسدرة وكان قبره عندما زرناه مزدحماً بالزائرين ، وكانت زيارتنا له عصر يوم الجمعة 10 شوال سنة 1387 هـ ( وتوجد صورة لهذا المرقد في كتاب مـراقد المـعارف ). (1)
موقع قبره السابق : يقع في الحلة في محلة الطاق مقابل مرقد دبيس بن علي المزيدي ، وكان هناك في السابق سوق صغير بالقرب من مرقده يعرف بسوق المنتجب يعرفه كافة الحليين ولكن بسبب التوسع الذي حصل في الشارع المعروف اليوم بشارع الامام علي عليه السَّلام فقد تم نقل رفاته ، وقد تهدم القبر وضاعت كل معالمه وضاع معه السوق واندثر بعد تهدم القبر ونقله ، واشتهر هذا السيد رَحَمَهُ الله بالمنتجب لكثرة طهارته.
مقام الامام المهدي عليه السلام,
ZAER
كتب
سنة مضت:6سنوات مضت::
جامع الحلة الكبير الذي بناه الشيعة جزءا من مقام الامام المهدي قديما وأخذه السنة اخيرا
تاريخ مقام الإمام المهدي ( عج ) في الحلة ::: 95 ـ 108
الباب السادس
في ذكر الساحة الأصلية لمقام الامام المهدي
وتاريخ الجامع الكبير المجاور للمقام وهو الجزء الأصلي للمقام قديما
(95) هذا الباب من أبواب كتابنا يتضمن فوائد مهمة تتعلق بأمور تأريخية كادت أن تنسج عليها عناكب النسيان وكشف حقائق حاولت طمسها والتضبيب عليها أيد ي العبث والتمويه ، ولتسليط الضوء على هذه الامور لا بدّ من جمع حقائق تحص مساحة المقام الاصلية التي صارت تتضائل جيلاً بعد جيل ،
فالمساحة الكلية للمقام اليوم هي نحو 35 متراً مربعاً ، ولقد علمت أنه في سنة ( 1422 هـ / 2001 م ) أرادوا هدم المقام بحجة جعله بيتاً خاصاً لأمام وخطيب أهل السنة في جامع الحلة الكبير المجاور للمقام ، لكن أبى الله إلاّ أن يتم نوره ، حيث أن النقول التاريخية المبثوثة في المصادر المعتبرة تثبت سعة مساحة المقام الشريف كما يظهر ذلك مما جمعناه من شوارد متناثرة وموارد مشتتة في بطون الكتب وطيات الآثار وقد استعنا الله تعالى في جمعها وتصنيفها أولاً فأولاً ودونك التفصيل :
أولاً : في مساحة المقام الاصلية وأن الجامع الكبير المجاور له تابع للمقام الشريف :
أ ـ إن اسم جامع الحلة الكبير عند أهل الحلة مشهور بـ ( جامع الغيبة ) وقد أخذوا هذا الاسم والشهرة على جهة التسالم يداً عن يد وخلفاً عن سلف.
ب ـ إن مقام الغيبة الآن يختوي على القبة فقط دون منارة والحال إن (96) مقامات الائمة عليهم السَّلام ومشاهدهم على كثرتها في العراق لم نرها خالية من المنارة وهذا مما يدل على أن الجامع الذي يختوي على المنارة وهو بدون قبة والمقام الذي يحتوى على القبة وبدون منارة مكان واحد.
ج ـ أن جامع الحلة الكبير يحتوي على المنارة فقط دون القبة والحال ان المساجد الاسلامية على كثرتها في العالم الاسلامي صغيرها وكبيرها تحتوي على منارة وقبة وهذا يدل على أن الجامع الذي يحتوي على منارة بدون قبة والمقام الذي يحتوي على قبة بدون منارة مكان واحد وخصوصاً إذا ما عرفنا أن الكتابة التي كانت على المنارة ( أي حولها من الاعلى ) كانت تحتوي على لفظ الجلالة واسم الرسول وأهل بيته الاثني عشر صلوات الله عليهم أجمعين ، وفي عام ( 1395 هـ / 1975 م ) هدمت تلك المنارة وكتابتها ضاعت علينا وجعل بدلها منارة جديدة وكتب عليها سورة الاخلاص لتغيير تلك المعالم والخصائص التاريخية.
حدثني بذلك أقدم موظف في دائرة الوقف الشيعي ( وقد رغب بعدم ذكر اسمه ) وكان مشرفاً على بناء بلك المنارة الجديدة وذكر لي انه رأى تلك الكتابة القديمة التي على المنارة السابقة الذكر ، وكان باني المنارة الجديدة من أهالي الديوانية وكان القاشي المكتوب عليه أسماء الاثني عشر عليهما السَّم محفوظاً لمدة في دائرة الاوقاف ، وطلبت منه تصويره فوتوغرافيا فقال لا أعلم أين هو الآن ، وكذلك سألنا الوجيه الشاعر عبد الامير محمود الجبوري صاحب كتاب ( صرخة الثقلين ) في مدح ورثاء أهل البيت عليهم السلام وهو رجل كبير السن ، انه هل رأى تلك الكتابة ؟ قال : نعم ، وسألنا الوجيه أمجد هلال (97) مبارك وهو من مواليد 1935 م ومحله قريب من الجامع الكبير ، فقال انا رأيت بلك المنارة وما هو مكتوب عليها سابقا ، وانها هدّمت في سنة 1975 م وبني على أسها منارة جديدة وذلك لتغيير معالم ذلك الجامع ، منكراً ما قاله لي موظف من دائرة الوقف الشيعي بأن المنارة القديمة كانت آيلة للسقوط ، فقال الحاج أمجد انه لم تكن آيلة للسقوط ، ووانها هدمت بسبب ما علنها من الاسماء الطاهرة ، كما ذكر لي هذا الرجل أن مقام الغيبة كان في وسط الجامع الكبير ويقرب المنارة التي في الجامع ولكثرة زائري المقام من الرجال والنساء وبغية عدم اختلاطهم جعل مقام رمزي الأمام عليه السلام خاص بالنساء في جنوب الجامع ومن ثم اخبزل هذا المقام الذي كان خاصا بالنساء واغتصب المقام الاصلي الذي هو في الجامع من قبل الدولة العثمانية ، ثم قال هذا ما سمعته من والدي هلال عبود وهو من مـواليد 1898 م ومن أهل السوق القدماء.
أقول : وهذا لا يبعد مما عرفناه من أفعال الدولة العثمانية وما نثبته تأريخيا بعد هذه الاسطر كاف ، وكان سبب تدويني لأقوال هذا الرجل ، لقربه من الجامع ، ولكبر سنة ، ولعلاقة أجداده بتاريخ هذا الجامع كما ستعرف ، كما ذكر لي السيد حيدر آل وتوت صاحب كتاب المزارات ومراقد العلماء في الحلة الفيحاء ) إن رجلاً من آل القيم وهم من سدنة المقام لقرون رأى بلك الكتابة ، ومما يؤيد هذا الكلام قرب المسافة بين المنارة والقبة ، وهذا ما تراه في الصورة الفوتغرافية التي نوردها في آخر الكتاب ، إذ المسافة بينهما تبعد نحو 25 متراً. (98)
حـ ـ ما ذكره الشيخ محمد علي اليعقوبي رَحَمَهُ الله في كتابه ( البابليات ) ج 2 ص 105 في ترجمة الملا محمد القيم قال : ( ابو الحسن محمد بن يوسف بن يوسف ين ابراهيم بن اسماعيل بن سلمان بن عبد المهدي ، وكان جده هذا سادناً وقيماً على مقام الامام المهدي عليه السلام الواقع في سوق الهرج في الحلة المسمى بالغيبة وهو المقام الذي ذكره ابن بطوطة في رحلته وابن خلدون في مقدمته ، وكان السادن المذكور يتولى أيضاً اوقاف الجامع الكبير الذي يجاوره مقام الغيبة جنوبا وذلك قبل أربعة قرون تقريبا ، كما بحكيه الصكوك والوثائق التي بأيدي هذه الاسرة من الحكومتين الصفوية والعثمانية ، ومن ثم عرفوا بآل ( القيم ) وهم حتى اليوم يستغلون ثمرة بلك الاوقاف الواقعة شمالي الحلة في الزاضع المعروف بـ [ الزوير ].
أقول : إن هذا الكلام يدل على أن أوقاف الجامع والمقام وهي الواقعة في الموضع المفروف بـ ( الزوير ) كانت واحدة ، كما إن الرجل المتولي عليها واحد ، وهذا مما يؤيد أن المكان ( أي المقام والجامع ) كان واحدا.
ز ـ قول الرحالة ابن بطوطة في أثناء زيارته الاولى للحلة في سنة 725 هـ « و بمقربة من السوق الاعظم مسجد على بابه ستر حرير مسدول وهم يسمونه مشهد صاحب الزمان ، ومن عادتهم أن يخرج في كل ليلة مائة رجل من أهل المدينة ، عليهم السلاح وبأيديهم سيوف مشهورة فيأتون أمير المدينة بعد صلاة العصر فيأخذون منه فرساً ملجماً أو بغلة ، كذلك ويضربون الطبول والانفار والبوقات أمام بلك الدابة تتقدمها خمسون منه ويتبعها مثلهم ويمشي (99) آخـرون عن يمينها وشمالها ويأتون مشهد صـاحب الـزمان فيقفون بالباب ... ». (1) 1 ـ أنظر : رحلة ابن بطوطة ص 139.
وقوله في زيارته الثانية : « ثم الى الحلة حيث مشهد صاحب الزمان واتفق في بعض تلك الايام أن وليها بعض الامراء فمنع أهلها من التوجه على عادتهم الى مسجد صاحب الزمان ... ». (2) 2 ـ أنظر : المصدر السابق ص 174.
فلنستخرج من كلامه ما يهمنا :
1 ـ قوله عن موضع المقام ( وبمقربة من السوق الاعظم مسجد على بابه حرير مسدول وهم يسمونه مشهد صاحب الزمان ) أنظر قوله من السوق الاعظم ، ولم يقل أن موضعه خارج السوق ، كما هو الآن ، وخصوصا إذا ما عرفنا أن السوق كان أضيق من الآن بكثير فلقد وسِّع مرتين مرة في أواخر العهد العثمانـي ( في عهد الوالي عمر باشا ) وفي عهد الستينات الميلادية من عصرنا هذا.
2 ـ وصف المقام ومساحته : مرةً ذكره بأنه مسجد صاحب الزمان ومرةً مشهد صاحب الزمان وأنه من السوق وأنه يسع لنحو مئة رجل ، فهذا الوصف الذي قال عنه ابن بطوطة لا يشبه وصف المقام الحالي وذلك لمساحته الصغيرة التي لا تزيد على 39 متراً مربعاً ، فأن المقام الآن لا يسع لعشرين رجلاً ، ثم لو أن المقام على موضعه الحالي في ظهر السوق ومساحته الصغيرة لو كان هكذا في عصر ابن بطوطة لما التفت اليه ابن بطوطة ولما نوه عنه أصلا لما عرفت من تعصبه (100) لأهل السنة ولو كان الجامع الذي بظهر المقام وهـو لأهل السنة الآن موجوداً في عصر ابن بطوطة لأشاد به وتبجح بذكره أي تبجح.
ط ـ موضع الشباك الحالي في داخل المقام : دأب الشيعة أن يضعوا في مقامات أئمتهم ( شباكاً ) أو نحو ذلك وعلى جهة القبلة فهذا مسجد السهلة ومقاماته وكذلك مسجد الكوفة ومقاماته وغيرها من المقامات المشهورة عند الشيعة ، لكن ما نراه الآن أن شباك هذا المقام يقع في ظهر القبلة بالنسبة للسصلي في داخل المقام وهذا يخالف القاعدة ومما يؤيد قول الشيخ محمد بن قارون في حكاية أبي راجح الحمامي التي أوردناها في الباب الثالث ( كان حاكم الحلة المسمى مرجان الصغير كلما يدخل هذا المقام يعطي ظهره القبلة الشريفة إذا جلس فيه وعندما شاهد فضية أبو راجح الحمامي ، تغيرت عقيدته ، وصار يستقبل القبلة إذا جلس فيه ) أنتهى.
والحال أن في الوقت الحالي جميع الداخلين للمقام حالهم كحال هذا الحاكم في جلوسه الأول ، لأن القبلة الشريفة كناية عن هذا الشباك الموضوع في جهة القبلة.
ظ ـ قول الراوي في حكاية ابن الخطيب ، التي أوردناها في الباب الثالث ( وبتنَ بأجمعهنّ بباب القبة ) أي مجموعة النساء اللواتي كنّ يرافقن أم عثمان ، والحال أن من يبيت الآن بباب القبة ينام في وسط السوق لضيق المحل.
م ـ قول الشسخ الزهدري في حكايته الواردة في الباب الثالث من كتابنا هـذا ( وانطبق عليّ الناس حتى كادوا أن يقتلونني ، وأخذوا ما كان عليّ من (101) الثياب تقطيعاً وتنتيفاً يتبركون فيها ، وكساني الناس من ثيابهم ، و رجعت الى البيت ) والحال أن مساحة المقام الحالية لا تسع لدخول القليل من الناس فضلاً عن الكثير منهم كما وصفهم ابن الزهدري.
و ـ قول السيد حيدر آل وتوت في كتابه ( المزارات ومراقد العلماء في الحلة الفيحاء ) أن هناك من أخبرني أن مساحة مقام الأمام المهدي عليه السلام المشار اليها قد تم اختصارها بسبب بناء الجامع المعروف بجامع الحلة الكبير الدي يقام فيه خطبة الجمعة وصلاة الجماعة عند أخواننا السنة حيث انضم قسم كبير من أرض المقام وأصبح ضمن الجامع.
وهذا يكفي لاثبات المساحة الأصلية للمقام.
ثانياً : في تأريخ الجامع الكبير في الحلة وأن أصله للشيعة لا لأهل السنة :
أقول : أرجوا أن لا يتصور القارىء في كلامي هذا أنني أريد أن أثير نعرات طائفية فالأخوان أخوان ونحن متأدبون بأداب أئمتنا عليهم السَّلام وعلمائنا الأعلام وخصوصاً إذا ما عرفنا أن فقيه عصره آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله أفتى في الظروف الحالية بعدم جواز أخذ جوامع أهل السنة منهم ، والحال هنا يختلف لأن أصل الجامع هذا للشيعة وأخذ منهم قسراً من قبل الحكومات الظالمة الحاكمة للعراق ، والآن فلنتعرض لذكر تأريخ هذا الجامع.
الأمر الأول : ( في تشيع أهل الحلة ).
1 ـ قال ابن بطوطة عند دخوله الحلة في سنة 725 هـ ( وأهل هذه المدينة كلهم إمامية أثنا عشرية ). 1 ـ أنظر : رحلة ابن بطوطة ص 139.
2 ـ قال السيوطي تـ 911 هـ في ( البغية / 151 ) حاكياً عن الذهبي : في ترجمة ( أحمد بن علي بن معقل الأزدي المهلبي الحمصي ، الأديب الغالي في التشيع أنه ولد سنة 567 هـ وهاجر من حمص الى الحلة وتعلم الرفض هناك عن أهلها ).(1) 1 ـ أنظر : الأنوار الساطعة ( ق 7 ) ص 8.
3 ـ قال السيد محسن الأمين العاملي رَحَمَهُ الله تـ 1371 هـ : ( وتشيع أهل الحلة مشهور معروف من قديم الزمان وكانت دار العلم للشيعة في القرن الخامس وما بعده واليها الهجرة وخرج منها جماعة من أجلاء علماء الشيعة وفقهائهم وأدبائهم ). (2) 2 ـ أنظر : أعيان الشيعة ، 1 / 201.
4 ـ وذكر آية الله العظمى الشيخ المجتهد الاكبر الأمام محمد حسين أل كاشف الغطاء رَحَمَهُ الله في مقدمة كتاب ( البابليات ) للشيخ اليعقوبي رَحَمَهُ الله : ( أن للحلة مميزات أربعاً ومنها تشيعها من أول تأسيسها الى عصرنا هذا ) ، وهذه الأقوال الأربعة تدل على أن الحلة لم تعرف التسنن إلا في اواخر الدولة العثمانية.
الأمر الثاني : في تأريخ الجامع الكبير في الحلة.
التاريخ الأول :
قلنا سابقاً إن آل القيم كانوا هم المتولين على أوقاف الجامـع والمقام معاً وكانت هذه الأوقاف في موضع يقال له ( الزوير ) ولدى هذا البيت صكوك ووثائق تثبت توليتهم من قبل الحكومتين الصفوية والعثمانية منذ أربعة قرون ، وكان من مشاهير هذا البيت الملا محمّد القيم ( تـ 1293 هـ ). (3) 3 ـ أنظر : ( البابليات ) 2 / 105 و ( شعراء الحلة ) 4 / 417.
التاريخ الثاني :
في تأريخ الأستحواذ على الجامع : ذكر الشيخ علي الخاقاني رَحَمهُ الله في كتابه ( شعـراء الحـلة ) 4 / 280 ، في ترجمة الملا مبارك الحلي المتوفى سنة 1270 هـ ، قائلاً : « هو ملا مبارك بن محمد صالح بن مبارك بن محمود بن أحمد بن حاج حسين الزبيدي الحلي ، ... (1) كان من الشخصيات المرموقة في وسطه ثري الجاه والمال ثقة في النفوس قوي الأرادة والنفوذ ، وأسرته وعلى رأسهم هو كثيراً ما خرجت على طاعة الحكومة التركية وناضلتها وقد أقلقتها ردحاً من الزمن الى ان قست معها بمصادرة أملاك المترجم له واوقاوفه ومنها الجامع الواقع في السوق الكبير في الحلة بمحلة جبران فقد غصبته الحكومة من ملا مبارك وجعلت فيه إماماً وغيرت لونه وشعاره ( أي من التشييع الى التسنن ) وكانت له أراضي واسعة ( أي الجامع ) في الزراعة تدعى ( الزوير ) ودور كثيرة فصادرتها أيضاً ».
أقول : إن الظاهر من التاريخ الاول للجامع الوارد أعلاه أن الملا مباركاً كان متوليا على الجامع وأوقافه من قبل ال القيم حسب ما ورد أعلاه وذلك لأطمئنان النفس اليه وثقته وبدل على هذا رعايته لأملاك ومصالح الفقيه الكبير السيد مهدي القزويني ( تـ 1300 هـ ) وان الاستحواذ على الجامع كان قبل وفاة الملا مبارك سنة ( 1270 هـ / 1850 م ).
1 ـ أقول : أني رأيت من أحفاد أخيه وسألته عن تأريخ الجامع ومنارته وهو الوجيه ( أمجد بن هلال بن عبود بن مهدي بن محمد صالح ... الخ ، وهم يرجعون الى آل صياد فخذ من عشيرة البو سلطان من زبيد ). (104)
التاريخ الثالث :
سنة 1292 هـ مات في هذه السنة متصرف الحلة شبلي باشا العريان ودفن في هذا الجامع. (1) 1 ـ تولى أمر الحلة في اخر أيام عمر باشا ، وهو من دروز سوريا وكانت توليته الحلة سنة 1275 هـ وقد شغل هذا المنصب عدة سنين ، وكان له نفوذ كبير حارب به الخزاعل وخضد شوكتهم ثم نقل من الحلة الى بغداد وذلك أثر شكوى تقدم بها أهالي محلة التعيس لأنه اجبرهم على دفع مبلغ مقابل مواد مسروقة من كنيسة لليهود في تلك المحلة ، قم تولى متصرفية الحلة سن 1290 الى 1292 هـ ثم مات أثر مرض الطاعون وفي رواية انه مات مسموما اثر خلاف مع والي بغداد ، راجع تاريخ الحلة ج 1 ص 164 ( بتصرف ).
التاريخ الرابع :
في حادثة عاكف التركي 1335 هـ
فرق عاكف عسكره في طرقات الحلة وسورها ودواثر الحكومة ، طلباً للفارين من ساحات القتال من الحليين ، وجعل بعضاً من الجنود على منارة الجامع الكبير لأرتفاعها على دور البلد ، وهذا من استهتار عاكف لأن بيوت الله يجب أن تكون بعيدة عن الاغراض الحربية. (2) 2 ـ أنظر : تاريخ الحلة ج 1 / ص 164 ( بتصرف ).
التاريخ الخامس :
في شهر رمضان سنة 1338 هـ ، نادى مناد في أسواق الحلة ان الليلة يقام اجتماع في الجامع الكبير يتلى فيه كتاب العلامة الشيرازي ، وما ان حل الوقت المضروب حتى هرع الناس الى الجامع فغص الجامع على اتساعه بالحاضرين ، وارتقى الخطيب الشيخ محمّد (105) الشهيب وتلا رسالة الشيرازي ، وكانت تتضمن حث العراقيين على المطالبة بحقوقهم المشروعة بالطرق السلمية ، ثم القيت بعض الخطب والقصائد الحماسية فالتهبت نفوس الجماهير بالحماس الوطني. (1) 1 ـ أنظر : تاريخ الحلة ج 1 / ص 174.
التاريخ السادس :
سنة 1351 هـ في هذه السنة من اواخر صفر الخير دفن في هذا الجامع السيد عبد السلام بن السيد عبد الله بن السيد عبد الحافظ. (2) 2 ـ ولد المترجم سنة 1292 هـ في محلة الاكراد بالحلة كان قد جاء جده عبد الحافظ المذكور الى الحلة بانتقاله من بلدة هيت وقرأ على بعض علماء السنة وبعد أن حصل على علم جم عين مدرساً وخطيباً واماماً وواعظا في الحلة وهو رجل فاضل وله مؤلفات منها كتاب درة الواعضين وله كشكول وله مجاميع أخرى وقد رثاه قاسم بن محمد الملا راجع كتاب ( لب الالباب ) تأليف محمد صالح السهر وردي ص 144 ، أقول : سمعت حكاية ينقلها أكثر اهل الحلة وهي أن السيد عبد السلام المذكور صعد المنبر يوماً وقال لا يدخل رجل الجنة الا بصك من أمير المؤمنين علي عليه السلام وذكر استدلالاً لحديثه فبعد هذه الحادثة قامت الدولة بطرده من الجامع فقامت الشيعة بتعهد أمره ، فأوصى أن يدفن بالنجف لكن الوصية لم تنفذ ودفن بهذا الجامع المذكور.
التاريخ السابع :
( 1378 هـ / 1967 م ) جددت عمارة الجامع وهناك من حدثني أن الجامع كان بمستوى منخفض عن أرض السوق عليه آثار القدم وأرضيته من الحصا والتراب ومنارته تعلوها أسماءاهل البيت عليه السلام فاقتطعت مساحة من أرضه في عمارته الأخيرة على يسار الداخل اليه وجعلت سوقا يسمى بـ ( سوق الاوقاف ) وهو الآن مشهور عند أهل (106) الحلة بسوق ( وحودي شعيلة ) وعلى يمين الداخل اليه هدمت ( المرافق العامة ) قديماً وجعلت بمكانها سوق أخرى وبالجملة جعلت الاوقاف السنية دكاكين وأسواقا حول الجامع تربو على المئة ومن أرضية الجامع هذا يذهب ريعها الى دائرة الوقف السني من ذلك الزمن الى هذا الزمن فهذه دعوى الى دائرة الوقف الشيعي في بغداد والحلة لتتبع هذا الامر خصوصاً بعد ما أوضحنا الأمر حول أصل ملكية الجامع ، وجدّد باب الجامع أيضا في هذه العمارة.
أقول : وفي 8 شوال من سنتنا هذه سنة 1425 هـ زرت الجامع وسجلت ما كتب على بابه وهو باب كبير من خشب الساج كتب في أعلاه قوله تعالى { إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ ... ) الآية.
ثم كتب شعر تحت هذه الآية نصه : تقدست يا جامع المسلمين أراك تنير طريق الصلاح وبابك تاريخه ( فوقه وعطر محرابك المنبر لمن هلّلو فيك أو كبّروا فهذا هو الجامع الاكبر )
جددت ( كذا ) عمارته ديوان الاوقاف 1387 هـ
وطلبت من إمام وخطيب الجامع الشيخ عبد الستار محمود الدليمي أن أقف على قبر السيد عبد السلام فأجابني الى ذلك وفتح لي حجرة قديمة في اخر الجامع رأيت فيها أربعة قبور فعلى اليمين قبر مرتفع عن الارض بنحو متر أو أكثر تعلوه صخره من المرمر الابيض كتب عليها اسم صاحب القبر وهو عبد السلام الحافظ وعليها قصيدة رثاء فيها تاريخ وفاته ، وفي الوسط قبران يرتفعان عن الارض نحو شبر
(107) واحمد وبدون اسم وأظن ان أسماء هما طمسا لقدمهما ومن المحتمل أن أحد هذه القبور قبر متصرف الحلة شبلي باشا كما ذكرنا ، وعن اليمين قبر مرتفع نحو متر أو أكثر ، لكن لوحته البيضاء ( نوع مرمر ) مخلوعة وقد جعلت على جانب من القبر وكتب عليها هذا قبر ( محمد المعصوم بجلي بك ) لكن تاريخ وفاته قد عدت عليه عوادي الدهر فمحت رسومه.
التاريخ الثامن :
سنة ( 1395 هـ / 1975 م ) هدمت منارة الجامع القديمة التي يعلوها ايم الجلالة واسم النبي محمد صلى الله عليه وآله وأهل بيته الاثني عشر واستبدلت بها منارة مرتفعة أيضا تعلوها سورة الاخلاص.
أقول : فبعد أن اثبتنا مساحة المقام الاصلية يظهر لنا موضع مدرسة صاحب الزمان عليه السلام المجاورة للمقام فاما أن تكون هي المقتطعة من أرض الجامع أو مقابل باب الجامع على الجانب الاخر من السوق الذي هو الان سوق الصاغة لان هذا السوق بني في الثمانينات من عصرنا هذا على آثار مدرسة دينية قديمة فيها بعض القبور لسادة أجلاء وعلماء أفاضل ، هذا ما حدثني به من رأى تلك المدرسة وهم أكثر من واحد ، ولا يخفى على القارئ اللبيب مغزى اختيار هذا المكان جامعاً لأهل السنة دون غيره من الاماكن في الحلة. تاريخ مقام الإمام المهدي ( عج ) في الحلة ::: 95 ـ 108
مدرسة علي جواد الطاهر,
عبدلله نمير عباس مدرسة الطاهر لل (زائر)
كتب
سنة مضت:7سنوات مضت::
عبداللة نمير عباس
مدرية علي جواد الطاهر
(متوسطة الامل القادم المسائيه للبنين (مدير المدرسه احمد حسن,
Sadem Mohamad
كتب
سنة مضت:8سنوات مضت::
تحياتي لجميع كادرها
اعدادية الطليعة للبنات,
نور (زائر)
كتب
سنة مضت:9سنوات مضت::
عبالك الطلاب عدهم حيوانات .
منطقه فزع,
rootbeerfloat (زائر)
كتب
سنة مضت:9سنوات مضت::
ر
حي البكرلي,
احمد الشريفي (زائر)
كتب
سنة مضت:9سنوات مضت::
ياريت لو تغيرون حي الطرب الى اسمه الحالي حي السفير
مدرسة الجواهري,
ام حسين (زائر)
كتب
سنة مضت:10سنوات مضت::
العفو الست اميرة
مدرسة الجواهري,
ام حسين (زائر)
كتب
سنة مضت:10سنوات مضت::
مدرسة الجواهري من المدارس المتميزة بكادرها التدريسي جميعاص ويارب يحفظ جميع معلماتها ومعلميها وبالاخص معلمات الصف الاول (ب) والست اميثرة بالتحديد يارب .والدة الطالب ..حسين مثنى
مدرسة الجواهري,
ام حسين (زائر)
كتب
سنة مضت:10سنوات مضت::
احلى مدرسة
اعدادية الطليعة للبنات,
FatiMa (زائر)
كتب
سنة مضت:10سنوات مضت::
احلى ست رفاه الوردة و ست زينب -عربي الانيقة
مسجد المحسن,
امین ناصری پور AMIN NASRIPOU (زائر)
كتب
سنة مضت:10سنوات مضت::
بسم الله الرحمن الرحیم سلام علیکم . یوم گدم (قبل ) من اربعین الحسینی (ع) (جمعه ) مسیر النجف الاشرف الی بغداد کاضمین ساعت تقریب 12:00 الظهرللصلواط و طعام فی مسجد المحسن و موکب الامام الحسین (ع)عندنا توقف . و بعد التوقف نسیت الگوشی (موبایل ) لویمکن مساعده من طریق زوار ایرانی للرد موبایل. . انشا ء اله نذوراتکم مقبول لله و کلکم بسلامه و توفیق اتعیشون انشا ء اله .والسلام علیکم ورحمت اله وبرکاته آدرس :خوزستان - امیدیه (تلفن - موبایل 09163522251 و 09163087530 ) ;کد پستی 46113- 63641
من اله التوفیق .
مدرسة الجواهري,
Ez alden (زائر)
كتب
سنة مضت:11سنوات مضت::
موخوش مدرسة
Industrial School Hillah اعدادية صناعة الحلة,
Imran Kaisar
كتب
سنة مضت:11سنوات مضت::
Hallo mein liebe die schule ist sehr gut danke für meine Lehrer.
اعدادية الطليعة للبنات,
don't care hhh (زائر)
كتب
سنة مضت:11سنوات مضت::
احقر مدرسة و احقر مدرسات علمود درجتين من مدرسة الفنية ما انعفيت اعفاء عام هو مو هيج التميز و السمعة الزينة اهم شي الاخلاق و الرحمة .. و المدرسات يمشن ع الواسطات لو بنت عضو بالبرلمان و لو ..... يساعدوها يعني هيج راحت الاخلاق قدريني ع درجاتي العالية بالفيزياء و الكيمياء و مو مثل البقية و اتمنى تقراها كل مدرسة ظلمتني و تتندم لان وين تروح من الله يطلعها بيها فد يوم و اكوللها ((( ما اهتم )))
منطقة النزيزة,
اميرة الاحزان (زائر)
كتب
سنة مضت:11سنوات مضت::
السلام عليكم
مقام رد الشمس للامام علي بن ابي طالب عليه السلام ,
زيد الملي (زائر)
كتب
سنة مضت:11سنوات مضت::
مقام الامام علي عليه السلام (رد الشمس) في حي الحكام
حي الأكرمين,
جواد (زائر)
كتب
سنة مضت:12سنوات مضت::
الحلة التعليقات الأخيرة :